الصفحة الرئيسية > الأخبار > الأولى > العبور إلى موريتانيا.. ميدان جديد للتنافس بين المغرب والجزائر

العبور إلى موريتانيا.. ميدان جديد للتنافس بين المغرب والجزائر

الأربعاء 28 كانون الأول (ديسمبر) 2022


تعد موريتانيا الدولة الوحيدة التي تملك حدوداً مشتركة مع الجزائر والمغرب، ما يجعلها ميداناً مهماً للمنافسة بين البلدين اللذين يتطلعان إلى تنشيط حركة التجارة مع جيرانهما.

تسعى نواكشوط على الدوام لإنشاء علاقات مستقرة تربطها بكلٍ من الجزائر والمغرب، وذلك على الرغم مما بين الجارين من طموحات سياسية واقتصادية متعارضة في غالب الأحيان، ومع كل حدث أو أزمة جديدة تحاول السلطات الموريتانية الحفاظ على علاقاتها بالدولتين العربيتين في منأى عن صراعاتهما أو منافساتهما للخروج بالحد الأدنى من الخسائر وتحصيل الكم الممكن من المكاسب، فعلى مدى عقود طويلة، حاولت الأنظمة المتعاقبة في نواكشوط موازنة مواقفها الخارجية بحيث تنأى بنفسها عن الوقوع في فخ الاستقطاب، وفي الوقت نفسه تتجنّب اتهامات اللعب على الحبال.

وتعد موريتانيا الدولة الوحيدة التي تملك حدوداً مشتركة مع الجزائر والمغرب، ما يجعلها ميداناً مهماً للمنافسة بين البلدين اللذين يتطلعان إلى تنشيط حركة التجارة مع جيرانهما، على أمل أن تشهد المعابر الحدودية حركة انتعاش تجاري بين تصدير واستيراد، خصوصاً بعد فترة الكساد التي شهدها العالم أجمع بسبب انتشار فيروس كوفيد – 19، وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعانيها الدول نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية التي تدخل شهرها الحادي عشر.

على المستوى السياسي لا يمكن أن يتجنب الموريتانيون الارتباط بـ"الصحراء الغربية"، التي هي بمثابة المشكلة المركزية التي تعطل أي محاولة للتصالح بين القيادات السياسية في كل من المغرب والجزائر؛ ففي منتصف سبعينيات القرن الماضي اقتسمت موريتانيا الصحراء مع المغرب بعد خروج الاستعمار الإسباني منها، وحينذاك خاضت موريتانيا حرباً عنيفة على جبهة البوليساريو التي تتلقى دعماً من الجزائر، قبل أن تعلن انسحابها من الصحراء عام 1979 بتوقيع اتفاقية للسلام مع الجبهة تعترف فيها بـ"الدولة الصحراوية".

وتقول موريتانيا اليوم إنها تتخذ موقفاً حيادياً من النزاع في الصحراء المغربية، وإنها تستهدف التوصل إلى حلول سلمية تُجنّب المنطقة مخاطر التصعيد المسلح، فيما تنادي الرباط بحكم ذاتي للصحراء تحت سيادتها، في الوقت الذي تطالب فيه جبهة البوليساريو بإجراء استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تؤيده الجزائر التي تستقبل على أرضها عدداً من اللاجئين الصحراويين، لكن استقبال نواكشوط مسؤولين من جبهة البوليساريو في قصر الرئاسة من حين إلى آخر يؤثّر سلباً في العلاقات بين موريتانيا والمغرب.

بالعودة إلى السياق الاقتصادي، فإن فتح وتأمين المنافذ اللازمة للعبور إلى موريتانيا عبر الحدود المشتركة، بات يُعد واحداً من أهم ميادين التنافس بين الرباط والجزائر، فكلا البلدين يرغب في فتح علاقات تبادل تجاري قوية مع "بلاد شنقيط"، علماً أن المغرب يعد أكبر مورد إلى موريتانيا، وهو البلد الأول أفريقيا على قائمة الاستثمار هناك، حيث يبلغ حجم المبادلات التجارية سنوياً بين البلدين نحو 235 مليون دولار، وذلك بحسب تصريحات السفير المغربي في نواكشوط، فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين الجزائر وموريتانيا نحو 87.3 مليون دولار عام 2021.

وتنظر الدولتان العربيتان إلى موريتانيا باعتبارها بوابة مهمة للعبور إلى عموم غربي أفريقيا، ولا شك في أن المغرب يولي هذا الأمر أهمية كبيرة، إذ تملك الجزائر حدوداً برية مشتركة مع مالي والنيجر، فيما لا يملك المغرب حدوداً برية مع أي دولة من دول غربي أفريقيا باستثناء موريتانيا، لذا فإن منافسة الجزائر في هذا الميدان تُعد أمراً شديد الحساسية بالنسبة إلى الرباط.

طريق تيندوف الزويرات.. والمنافسة مع معبر الكركرات
بحسب تقارير صحافية محلية نشرت أخيراً، فإن ثمة مساعي حثيثة من جانب السلطات الجزائرية لإنهاء الأعمال اللازمة لتجهيز مشروع الطريق الرابط بين مدينة تندوف الجزائرية ليعبر الحدود المشتركة مع موريتانيا نحو مدينة الزويرات، بطول نحو 73 كيلومتراً داخل أراضي الجزائر، وقرابة 700 كيلومتر داخل الحدود الموريتانية.

ولا يمكن قراءة تلك المساعي الجزائرية إلا باعتبارها خطوة تستهدف منافسة معبر "الكركرات" الذي يعد الشريان الأساسي لحركة التبادل التجاري بين المغرب وموريتانيا، ومنها إلى دول غربي أفريقيا، مثل مالي والسنغال وغينيا وبوركينا فاسو، حيث تمر يومياً مئات الشاحنات عبر المعبر حاملة السلع والبضائع من الدار البيضاء وطنجة وأغادير صوب عدد من الأسواق الأفريقية.

وما يدل على أهمية المشروع للجزائر، كثافة الزيارات التي يجريها الوزراء الجزائريون لموريتانيا في الأيام والأسابيع الماضية، مع الأخذ في الاعتبار أن اجتماعات مهمة كانت قد عقدت بين الحكومتين في شهر أيلول/سبتمبر الفائت ضمن أعمال الدورة الـ19 للجنة المشتركة الكبرى الجزائرية-الموريتانية، أثمرت حينذاك 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات متنوعة.

وكانت الجزائر قد أعلنت في وقت سابق من العام الجاري إنشاء خط بحري بهدف إمرار المنتجات الجزائرية إلى موريتانيا، في خطوة عدّها مراقبون مزاحمة للمعبر الذي يربط المغرب بالعمق الأفريقي؛ لكنّ هذا الخط البحري ظل عاجزاً عن تحقيق الطموح الجزائري، إذ لم يفلح في تعويض الحاجة إلى المسالك البرية.

وعلى الرغم من كثافة الاهتمام الإعلامي الجزائري بمخططات إنشاء طريق " تيندوف الزويرات"، باعتباره تتويجاً للمحادثات المشتركة الدائرة منذ فترة ليست بالقصيرة بين نواكشوط والجزائر، إلا أن ثمة ما يشير إلى صعوبة تنفيذ المشروع بسبب انتشار الجماعات الإرهابية والشبكات الإجرامية بهذه المنطقة.

وما يؤكد صعوبة الأمر أن الجزائر كانت قد حاولت نقل الخضروات والفاكهة إلى مستورديها في موريتانيا ودول أفريقية أخرى عبر الطرق البرية، لكن الرحلة استغرقت مدة أطول من المتوقع، وكانت المحاولة الجزائرية قد جرت قبل عامين في الفترة التي أغلق فيها موالون لجبهة البوليساريو معبر الكركرات، ما استدعى حينذاك تدخل الجيش المغربي في أول عملية عسكرية له في تلك المنطقة منذ وقف إطلاق النار بين المغرب والجبهة عام 1991.

في السياق نفسه تؤكّد منصات إعلامية مغربية أن تشييد المعبر الحدودي بين الجزائر وموريتانيا لن ينجح في حصار أو عزل المغرب، لأنه يمتاز بموقعه الجغرافي الأفضل، كما أن السلطات المغربية كانت قد سبقت منافسيها بخطوات عدة بإنشاء عدد من الموانئ ومراكز الدعم اللوجستي، كذلك فإن كثيراً من دول غربي أفريقيا تتشبّث بتعزيز التعاون مع المغرب، وفي سبيل ذلك أقامت قنصليات لها في مدينة العيون، التي هي أكبر مدينة في الأقاليم الجنوبية المغربية.

رهانات واسعة من الجزائر على الطريق الجديد.. وترقّب مغربي
مع أن الحدود بين الجزائر وموريتانيا تمتد بطول 460 كيلومتراً، لكن تلك المساحة الواسعة ظلت خالية من أي معبر حدودي حتى 4 أعوام مضت، حينما بدأت الحركة التجارية في النشاط، غير أن شاحنات النقل التي كانت تعبر الحدود الجزائرية نحو الزويرات بقيت تمر عبر طرق رملية شديدة الوعورة ومن دون خدمات، ومن شأن مشاريع الطرق الجديدة إنهاء معاناة سائقي الشاحنات وتقليل مدة السفر بين البلدين وتوفير الأمن.

وتنظر السلطات الجزائرية إلى طريق تندوف الزويرات، على أنه مشروع ذو طبيعة خاصة تجلعه يتخطّى الحيز المحلي إلى المجال الدولي، حيث تتحدث السلطات عن نيات لربطه بمبادرة الحزام والطريق الصينية، وكذلك بالأنبوب الذي يفترض أن ينقل الغاز الموريتاني والسنغالي إلى أوروبا، كما تشير التقاير إلى امتلاك المناطق التي يمر عبرها الطريق لمناجم ضخمة للحديد ومعادن أخرى، يمكن أن تستثمر.

كذلك تسعى الحكومة الجزائرية إلى أن يتحول الطريق إلى جسر بري يربط بين عرب شمال أفريقيا عموماً وموريتانيا، فلا يقتصر الطريق الجديد على عبور الصادرات الجزائرية بل يتعهّد بنقل البضائع والسلع التونسية وكذلك الليبية في حال توافرت.

على الصعيد المقابل يراقب المغرب بحذر مشاريع الجزائر الطموحة لتنمية علاقاتها التجارية بموريتانيا، وفي هذا السياق سعت الرباط لتقوية ارتباطها بالسلطات الموريتانية، خصوصاً في العامين الأخيرين، حيث يرغب المغرب في الحفاظ على وضعه كأول مورد أفريقي إلى السوق الموريتانية بنسبة تفوق 50 في المئة، إذ تستورد موريتانيا التي يقل عدد سكانها عن 5 ملايين ما يقارب 660 ألف طن سنوياً من مختلف السلع من المغرب.

وتهتم السلطات المغربية اهتماماً كبيراً بمتابعة المشاريع التي جرى الاتفاق عليها مع موريتانيا في خريف هذا العام خلال انعقاد النسخة الثانية من المنتدى الاقتصادي الموريتاني المغربي، الذي جمع عشرات رجال الأعمال المغاربة بنظرائهم الموريتانيين.

في العموم، من المستبعد أن ينجح المغرب والجزائر في استقطاب موريتانيا على نحو يمنعها من التعاون مع الطرف الآخر، فمنذ عقود عجز البلدان عن تأسيس تحالفات من هذا النوع مع نواكشوط، إما بسبب تغيير نظامها السياسي، وإما نتيجة المشاحنات العربية المعتادة؛ لكن على الرغم من ملابسات العلاقة في ميدان السياسة، فقد سعت موريتانيا دوماً لموازنة مواقفها، على نحو يتيح لها توفير الحد الأقصى من المكاسب عبر خلق مناخ اقتصادي تنافسي داخل حدودها.

المصدر : قناة الميادين