الصفحة الرئيسية > الأخبار > الأولى > إلى أي حد ستقترب موريتانيا من المغرب؟

إلى أي حد ستقترب موريتانيا من المغرب؟

السبت 9 كانون الثاني (يناير) 2021


على مكتب الرئيس الموريتاني برقيتان من ضمن البرقيات التي وصلته في الذكرى الستين لاستقلال بلاده تجلبان الاهتمام. في الأولى يعبر العاهل المغربي عن «اعتزازه بمتانة العلاقات القائمة بين البلدين» وفي الثانية يقول الأمين العام لجبهة البوليساريو «إننا في الجمهورية الصحراوية لمعتزون وفخورون بما يربطنا بالشقيقة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، من وشائج الأخوة والصداقة والتاريخ والثقافة والجوار، في علاقة أبدية لا انفصام فيها، متجذرة في تربة المصير المشترك».
غير أن تقاطع الصياغتين، لا يعني أن ولد الغزواني، حاز صك نجاح في لعبة التوزان الصعبة بين الطرفين، لأن أي خطوة قد يقطعها مثلا نحو المغرب، سينظر لها حتما في الجانب المقابل على أنها مس بتلك الوشائج والروابط والعلاقات والعكس بالعكس. ومع أن الأمر ليس نوعا من التبادل الفعلي أو الرمزي للمواقع، فإنه من المؤكد أنه لم يكن بوسع موريتانيا، ومن دون اعتراف المغرب، ولو متأخرا، باستقلالها، أن تعده ناجزا وكاملا. كما يبدو اليوم أن اعتراف الموريتانيين بمغربية الصحراء قد يعد في حال حصوله، وبالنسبة للجانب المغربي، أكثر الفصول الحاسمة، في تكريس ما تعتبره الرباط وحدتها الترابية. لكن الموريتانيين لا يزالون يفضلون حتى الآن، وفي أعقد قضية إقليمية تواجههم، أن يتمترسوا وراء ما يصفونه بالحياد الإيجابي، وهو اعترافهم المتبادل بالطرفين المتصارعين معا، أي المغرب والبوليساريو. وما يجعلهم متمسكين بذلك الموقف، ليس فقط أنهم عانوا في السابق الويلات جراء انخراطهم واقترابهم، ربما بشكل زائد، من تلك القضية، ودفعوا فيها ومنذ السنوات الأولى لاستقلالهم ثمنا باهظا كاد يصل إلى حد فقدانهم كيان دولتهم، بل لأنهم مازالوا يعتقدون إلى اليوم، أنهم في وضع صعب وحساس، لا يسمح لهم بهامش واسع للحسم لصالح طرف دون الآخر. فهم من جهة وبحكم عدة عوامل تاريخية وعرقية وثقافية، يعتبرون الأقرب للصحراويين من غيرهم، والأكثر ارتباطا بهم كما أنهم لا يستطيعون من الجانب المقابل، أن يتجاهلوا حقيقة أن جزءا كبيرا من أمنهم واستقرارهم، ومن الحفاظ على المصالح الحيوية لبلدهم، لا يتحقق بمعزل عن وجود علاقات جيدة وقوية مع المغرب. لكن محاولة مسك العصا الصحراوية من الوسط ليست بالأمر الهين، فالكل يدرك أنهم حتى وإن أطفأوا السبت الماضي الشمعة الستين لإعلان استقلال بلدهم، إلا أن ذلك الاستقلال يظل مهددا بشدة، مما يقع على أطرافهم من تقلبات واضطرابات، كما أن الجميع يعرف أيضا أنه لن يكون بوسعهم في أي حال من الأحوال أن يستقلوا وينفصلوا عن أكبر الملفات الإقليمية بالنسبة لهم، وهو الملف الصحراوي، ويتحولوا بين عشية وضحاها إلى سويسرا الشمال الافريقي، فلا يتأثرون أو يؤثرون إن قليلا أو كثيرا في مجريات الصراع الدائر على مرمى حجر من ترابهم.

غير أن هذا الشتاء قد يمثل منعرجا حاسما بالنسبة لهم، ولعله قد يحمل بعض التغييرات في مواقفهم. فهناك مؤشرات على أن حجرا ثقيلا سيلقى في بركة الحياد الموريتاني في المسألة الصحراوية، وليس ما يلوح في الأفق من عودة تدريجية للدفء في العلاقات الموريتانية المغربية، سوى ملمح صغير منه. فقد أبدى العاهل المغربي منذ أيام رغبته واستعداده، كما نقل بيان الديوان الملكي المغربي، لأن يزور موريتانيا. وفي هذا الظرف يعني ذلك وحده الكثير، لكن إن حصل ووصل محمد السادس في وقت قريب إلى نواكشوط، كما يتردد الآن في العاصمتين بعد الإعلان عن فحوى المكالمة الهاتفية، التي جرت في العشرين من الشهر الماضي بينه وبين الرئيس الموريتاني ولد الشيخ الغزواني، فمن المؤكد أن ذلك لن يتم فقط لغرض إعادة بعض ذلك الدفء في علاقة الجارتين المغاربيتين، بعد فترة من البرود الملحوظ بينهما، خصوصا خلال فترة حكم الرئيس الموريتاني السابق ولد عبد العزيز، بل بحثا بالاساس عن تحقيق اختراق جديد من جانب المغرب في ملف الصحراء، من خلال إعادة ترتيب الأوراق والتوازنات الإقليمية، على ضوء التطورات التي حصلت في منطقة الكركارات القريبة جدا من الحدود الموريتانية. والسؤال المطروح هنا هو، كيف سيكون رد الموريتانيين في تلك الحالة؟ وهل سيكون بوسعهم أن يتجاوبوا مع أي عرض قد يقدمه المغاربة لهم، للقطع مع مواقفهم المعروفة من النزاع الصحراوي، ويمضوا بعيدا ربما إلى درجة أن يقبلوا مثلا سحب اعترافهم بالبوليساريو، وتكثيف التنسيق الأمني والعسكري مع الرباط لمحاصرتها وسد المنافذ أمامها؟ لا شك في أن الجواب على ذلك سيمثل نوعا من الاختبار الصعب والدقيق والمصيري بالنسبة لموريتانيا، فمخاطرتها بوضع كل بيضها في السلة المغربية، ستكون مغامرة كبرى لن تقدم عليها، إلا في صورة ما إذا تأكدت بشكل قاطع، أن ذلك لن يرتد عليها ولن يفتح بوجهها أبواب أي تهديد محتمل على أمنها واستقرارها، لا من جانب البوليساريو فحسب، بل من جانب الجزائر أيضا. ولأجل ذلك سيكون من الصعب جدا أن تمنح نواكشوط الرباط كل ما ترغب به أو تتمناه، وأن تتبنى بشكل فوري ومفاجئ كامل الرؤية المغربية للملف الصحراوي، ومن دون أن تحصل على ضمانات لا مغربية فحسب، بل حتى إقليمية ودولية، بأنه لن يلحق بها، جراء ذلك، أي ضرر من أي نوع كان. لكن ما طبيعة تلك الضمانات، ومن سيقدمها لها غير المغرب؟
من البديهي أن الغموض النسبي في الجزائر يفتح الباب أمام كل الاحتمالات، غير أن المغاربة يدركون جيدا، أن هناك حدودا لن يكون بوسع جارتهم، مهما حسنت نواياها تجاههم أن تتخطاها، ويفهمون بالتالي الحاجة التي دعتها للتمسك بالحياد، رغم أنهم قد لا يقبلون استمراره، ولاجل ذلك فسيكون من الصعب جدا أن يتعاملوا مع بلد شنقيط بمنطق «الكل أو لاشيء». إذ أن حرصهم على حسم الملف الصحراوي لا يعني انهم سيستعجلون قطف ثمار انتصاراتهم الدبلوماسية فيه قبل أن تنضج بالكامل. ولعل الكركارات قد تكون مفتاحهم السحري للتأثير في الموقف الموريتاني من النزاع. فالعملية الأخيرة هناك لم تكن مجرد تحرير طريق حيوي بين الدولتين، بقدرما شكلت نوعا من الاختبار الدقيق لطريقة تعامل الحكومة الموريتانية مع الأزمة، وكانت كذلك نوعا من جس النبض لتعاطي الرأي العام الموريتاني مع تداعيات المشكل. وربما استهان البعض بأزمة الخضار التي حصلت جراء ذلك في موريتانيا، لكن الرباط هي من خرجت بالاخير المستفيد منها، واستطاعت أن تثبت للموريتانيين أن مصلحتهم ليست مع البوليساريو، بل معها.
وقد يكون الفتور النسبي الذي استقبلت به نواكشوط زيارة وفد من الجبهة اواخر الشهر الماضي دليلا على تنبه الموريتانيين لذلك، وعلى استخلاصهم لدرس الكركارات، غير أن الزيارة المرتقبة للعاهل المغربي هي التي ستدل بوضوح اكبر ما اذا كان الحجر المغربي الذي سيلقى في البركة الموريتانية سيكون كفيلا بتحريك جمودها؟ أم أنه صخور الحياد الموريتاني الملقاة فيها ستحول دون ذلك لانها ما تزال إلى الان صلبة وقوية.

نزار بولحية
كاتب وصحافي من تونس
المصدر : صحيفة القدس العربي