الصفحة الرئيسية > رأي > الجرح النازف
الجرح النازف
الجمعة 8 أيلول (سبتمبر) 2017
بقلم : محمد افلج (موريتانيا)
بينما أنا في غرفة مكيّفة زكية الرائحة، وأفترش فراشاً ليّن الملمس، وأشعر بالأمن التام، وأُفَضِّل الجوع على الشبع مخافة زيادة الوزن، راودتني فكرة الكتابة عن مأساة من مآسي المسلمين، فوقعت في حيرة الاختيار، فمآسي المسلمين كثيرة محزنة، وإن اختلفت في نوعها فهي متقاربة في سوئها وتتسم كلها بالألم.
وأنا في حيرتي، تذكرت الأركانيين وتخيلت صيحات أبنائهم وأنات آبائهم وكمد شبابهم ونسيان الشعوب الإسلامية لهم، على الرغم مما يرد من أخبارهم وما يشاهدون من صورهم الناطقة بفظاعة ما يصنع بهم وبشاعته وقلة ما يملكون لمواجهته.
فقلت هم إذا.
إنّهم قوم ولدوا في المعاناة والألم، وكأنهم ولدوا للمعاناة والألم؛ فوطنهم مسلوب، وضعفهم مغلوب، وعدوهم مناصَر على ما يَفعل بهم بسكوت المجتمع الدولي المنافق، وتخاذل العالم الإسلامي الذي بات خالي الجعبة، حتى من التنديد الخافت والعبارات الدبلوماسية الناعمة! أسعدهم من شُوي بالنار فعاجله الموت، وأقبل إلى ربه الرحيم، ونُجِّي من تقطيع الأوصال ومشاهدة مشاهد الإذلال.
ما يردنا من أخبارهم (على قلته) يُندّي الجبين، فالمحاصَر منهم ممنوع من الطعام والدواء وتحرَق مزارعه وتلوَّث مياهه، والمقتول كما في الصور ومقاطع الفيديو الواردة يَظهر محروقاً بالنار حتى تفحم، أو كأنه ضحية وحوش، متعفّرا في التراب ولحومه مشقّقة وجسده مخترق بالرصاص من كل مكان، الكبير والصغير منهم في ذلك سواء، وقد أعلن مجلس الروهينغيا الأوربي أنه وفي ثلاثة أيام فقط قتل منهم 3000.
إن فرّوا من الموت ماتوا غرقاً في نهر، أو جوعاً أو يأساً وقنوطاً، ومن أين لهم الفرار، فلا مفر إلا دربا واحدا، تجاه دولة "إسلامية"، يسلكونه حاملين ما استطاعوا حمله من متاع لا تستطيع جمال الصحراء حمله، يحدوهم الأمل بالأمان فيموت منهم السعيد في الطريق ويبقى الشقي فيستقبله جيش تلك الدولة "الإسلامية" بالاعتقال والتنكيل ويردّه إلى العصابات البوذية الوحشية التي منها هرب! ومن أغفلته عيون الجيش، وتمكّن من الدخول إلى الدولة "الإسلامية"، بنغلاديش، فهو أشقى الأشقياء، شقي لأنه لم يمت في الطريق، وشقي لأنه سيقيم في مخيمات اللجوء يائسا من مستقبل له أو لأولاده. حياته لا تعدو كونها بقاء روح معذّبة في بقايا جسد منهك، وشقي لأنه سيطمع في اللجوء لأوروبا فيكون ضحية لتجار البشر، والعصابات التي هرب منها أرحم به ألف مرة؛ فهؤلاء يريدونه لموت واحد وإن كان فظيعاً، وأولئك يريدونه لمسلسل موت لا يتوقف، أهون حلقاته الاستعباد في المصانع الأوربية.
ومن مضحكات الدهر أنّ رئيسة بلادهم، المتسبّبة في الحاصل لهم حاصلة على أرفع وسام دولي للسلام، وما تفعله قواتها بهم هو أكبر انتهاك للسلام، فكيف يفهم هذا؟ إنه النفاق الدولي، ومن سخرية الزمان بمن يعيشونه أنّ أكبر هيئة دولية في العالم تدّعي حماية حقوق الإنسان وحرية الإنسان وإنسانية الإنسان، في حين لا يستطيع أمينها العام أن يفعل شيئا لنصرتهم إلا بكلمة يقولها ببرودة: "الحكومة الميانمارية تتحمل المسؤولية لما يحدث لأقلية الروهينغيا"، وماذا تعني هذه الكلمة لشعب عانى الاضطهاد منذ قرن ويزيد، يحاصر، يجوع، ويهجّر، يقتل؟
ومما تعجز الأفهام عن فهمه لحمقه، إعلان الدولة المركزية في العالم الإسلامي عن استعدادها للمساعدة في الجهود المبذولة في تجاوز الكارثة التي أحدثها إعصار هارفي، وهو في أقوى دولة، بغض النظر عن دينها، بينما لم تنبس بكلمة لنصرتهم، وهم أكثر الأقليات اضطهادا في العالم، ويشتركون معها في الدين والعقيدة.
محمد افلج (موريتانيا)
المصدر : "العربي الجديد"