الصفحة الرئيسية > رأي > هذه هي موريتانيا يا عزيزي

هذه هي موريتانيا يا عزيزي

السبت 13 أيار (مايو) 2017


بقلم : أحمد سيدي بابا سيدي

جلسة وديّة مع أحد الأصدقاء المشارقة سألني عن موريتانيا سؤالاً ينمّ عن فقر مدقع في المعلومات التي يمتلكها عن هذا الجزء من الأمة العربية، وقد لاحظت أن أغلب المشارِقة سمعوا عن بلاد شنقيط، وارتبط لقب الشنقيطي عندهم بعلوم الدين والشعر واللغة، وأغلبهم سمعوا عن بلاد المليون شاعر وما زالوا في حيرة من هذه الصحراء القاحلة المترامية الأطراف كيف أصبحت أرضاً خصبة للشعر والنحو والصرف والبلاغة والفقه والسيرة والحديث والقرآن بكل علومه والمنطق والفلسفة.

والعَجب العُجاب أن أغلب المشارقة الذين سمعوا عن بلاد شنقيط وبلاد المليون شاعر لم يسمعوا عن موريتانيا، وإن سمعوا بهذا الاسم فهو في الغالب الأعم لا يرتبط في أذهانهم بشنقيط ولا ببلاد المليون شاعر، ولا يعدو أن يكون -في مخيلتهم- اسماً لدولة إفريقية موغلة في البعد عن العَرب والعُروبة.

موريتانيا.. من أين جاء الاسم ومن مُطلقه؟

موريتانيا: اسم أطلقه المستعمر الفرنسي على بلاد شنقيط في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وقد يكون اقتبسه من الكتابات الرومانية القديمة التي أطلقت نفس الاسم على تلك الصحراء التي كانت موطناً للمملكة "غانا" والممالك السودانية الصغيرة على ضِفاف نهر السنغال، وأصبحت بعد ذلك موطناً لدولة المرابطين التي تأسست فيما يعُرف حاليا بموريتانيا وامتدّ نفوذها إلى مناطق شاسعة من إفريقيا، وتجاوزت المحيط الأطلسي بعد أن استنجد بها أمراء الأندلس ليمتدّ نفوذها إلى مناطق من أوروبا.

وقد أُطلق هذا الاسم على جزء صغير من أرض البيظان (اسم يطلق على ذوي الأصول العربية في موريتانيا) الممتدة من جنوب المغرب إلى موريتانيا ومناطق من الجزائر ومالي وليبيا والكونغو والنيجر، لفصل ذلك الجزء عن عمقه الجغرافي والثقافي والاجتماعي بناءً على سياسة التقسيم والتجزئة التي كان يطبّقها المستعمر الفرنسي تحت شعار "فرّق تسُد" والاتفاق بين الفرنسيين والإسبان على تقاسُم المستعمرات بناءً على نوعية الثروة المعدنية التي ينقّبان عنها (الحديد والفوسفات).

كيف وصل العرب وانتشرت اللغة العربية في شمال إفريقيا وفي موريتانيا على وجه الخصوص؟

لم يكن شمال إفريقيا من مواطن العرب، وقد وصلوا إلى هذه الأرض بعد موجة من الهجرات أكبرها الهجرة الهلالية التي يصفها ابن خلدون بانتقال العرب إلى إفريقيا.

انطلقت هذه الهجرة من جزيرة العرب باتجاه الشام وصعيد مصر ومن ثَم واصلت طريقها إلى شمال إفريقيا لتُنهي هذه الهجرة وغيرها من الهجرات العربية بانتهائها شكل خارطة المغرب العربي، وكانت موريتانيا هي المحطّة الأخيرة في هذه الرّحلة.

لما وصل العرب إلى موريتانيا وجدوا أمامهم السكان الأصليين للمنطقة وهم قبائل البربر الذين كان لهم دور بارز في تاريخ موريتانيا والدول المجاورة وفي نشر الدين الإسلامي في إفريقيا عموماً، ذلك أنهم كانوا هم السواد الأعظم لمجتمع دولة المرابطين.

كان الإسلام منتشراً قبل مجيء العرب، ولكن لم تكن اللغة العربية مستخدمة قبلهم؛ لذلك عملوا عن قصد أو عن غيره على نشر اللغة العربية وهو ما تحقق لهم في موريتانيا وفي باقي دول المغرب العربي.

كان الزنوج الأفارقة كذلك من السكان الأصليين لموريتانيا وكان لهم دور مهم في نشر الإسلام أيضاً، وامتزج بعضهم بالعرب فأصبحوا عرباً؛ لأن العربي تُطلق على كل ناطق بلغة العرب، وحافظ بعضهم على خصوصيته الثقافية والعرقية فأصبح داخلاً تحت لواء الدولة العربية الإسلامية متمسكاً بثقافته ولغته.

لماذا لا يعرف مُعظم إخواننا المشارقة موريتانيا؟

أعتقد أن وراء ذلك عدّة أسباب من بينها:

 محدودية الاطلاع لدى العربي عموماً وانبهاره بصاحبات التأثير السياسي والمادي من الدول العربية دون شقيقاتها التي تؤثر على الجانب الثقافي والديني أكثر.

 تعدد أسماء هذه البقعة من الأرض، وحداثة الاسم الذي أصبح يطلق عليها رسمياً (موريتانيا) وقربه من نوعية الأسماء الأوروبية (بريطانيا، ألمانيا..) والإفريقية (تنزانيا) وعدم ارتباطه بثقافة العرب "كبلاد المليون شاعر" ولا بتاريخهم وأسماء علمائهم وشخصياتهم الوازِنة والمؤثرة كـ"شنقيط".

 ضعف الجانب الإعلامي والسينمائي في موريتانيا؛ لأن الإعلام والسينما والتلفزيون من أهم وسائل التعريف بثقافات الشعوب ولهجاتها، لذلك تجد مختلف الشعوب العربية يتكلمون اللهجة المصرية أو يفهمونها على أقل تقدير نتيجة لمتابعة الأفلام والمسلسلات المصرية وكذلك هو الحال مع اللّهجات الشامية والخليجية، بينما قلّة من المشارقة يفهمون لهجات بلدان المغرب العربي عموماً وموريتانيا على وجه الخصوص.

 عدم اكتراث الأنظمة المتعاقبة على الحكم في موريتانيا بضرورة التعريف بهذا البلد وعلمائه وأدبائه الكبار، خصوصاً زعيم هذا النظام الحالي الذي أدار ظهر المِجنّ للشعر والعلوم الإنسانية واعتبرها علوماً ثانوية مقارنة بتخصصه الميكانيكي، وما على شاكلته من العلوم الهندسية والتقنية.

هذه يا عزيزي هي موريتانيا العربية الإفريقية التي تحفظ للعرب لُغتهم وشعرهم وتحفظ للمسلمين فقههم وعلومهم الشرعية رغم مشاقّ حياة البدو الرحّل، وتنقلهم على ظهور العيسِ في هذه الصحراء القاحلة بحثا عن الماء والمرعى.

يقول أعلم علماء اللغة والنحو في عصره المختار ولد بون رحمة الله عليه:

ونحن ركب من الأشـراف منتظم ** أجـل ذا العصـر قـدرا دون أدنـانـا

قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة ** بهــــا نـبــيـــــن ديــن الله تـبــيـــــانا

هذه يا عزيزي هي موريتانيا التي يتعايش فيها العرب مع الأفارقة تحت شعار الدولة الواحدة التي يجمعها الدين الواحد وتختلف أعراقها وثقافاتها مشكلة بذلك لوحة اجتماعية متعددة الألوان والثقافات.

أحمد سيدي بابا سيدي
صحفي ومدون موريتاني